الأمن الفكريّ ودور الأسرة في ترسيخه
إنَّ سلامة الفكر من أهمّ مرتكزات الأمن، فتوفّر الأمن في المجتمعات من أسس الحياة السعيدة، فهو عنصرٌ ضروريٌّ لتوفير بيئة مناسبة للعيش والاستقرار، فبها يستطيع الأفراد ممارسة حياتهم بكل يسر، ويحققوا أهدافهم وطموحاتهم، ويتمكّن المجتمع من الارتقاء في جميع الأصعدة والمجالات.
وإنَّ من أهم صور الأمن هو الأمن الفكريّ، والذي اهتمت الشريعة الإسلامية به غاية الاهتمام، ومن مظاهر هذا الاهتمام؛ أن دعت الشريعة لحفظ الضرورات الخمس الكبرى، وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، فقد دعت لحفظها وصيانتها، واعتبرتها خطوطاً حمراء لا ينبغي التعدي عليها.
وقد حرصت الشريعة الإسلامية على حفظ العقول من الملوِّثات الفكريّة المنحرفة، والتي تشكِّل خطراً على أمن الأوطان وسلامة أفرادها، فشرَّعت التَّدابير الوقائيَّة للتَّصدّي للعمليّات الممنهجة التي تتلاعب بالعقول بهدف تغيير أفكارها، مما يؤدي إلى تغيير سلوكيَّات أفرادها تباعاً؛ ولذلك حرص الإسلام على خَلق شخصيَّة المسلم المتماسكة، ودعاها للتخلُّق بالأخلاق الحميدة.
وأكدت الشَّريعة الإسلاميَّة على استقاء المعلومات والأخبار -أيّاً كان نوعها- من مصادرها الصَّحيحة الموثوقة؛ لما لها من الأثر البالغ على العقول والأفكار والأفراد والمجتمعات، ولا سيَّما ما يُبث في وسائل التواصل الاجتماعيّ من ممارسات سلبيَّة، ومعلوماتٍ مغلوطةٍ تهدف إلى نشر الأفكار الهدَّامة.
ولترسيخ السَّلامة الفكريّة، ووقاية المجتمع من كلّ ما يضرُّ بأمنه وفكره؛ لا بد من ترسيخ ثقافة الأمن الفكريّ، والذي يُعنَى بتعزيز الثَّقافة الواعية بقيم الأمن والاستقرار، لتكون هذه القيم من ثقافة ومبادئ المجتمع الآمن.
وقد حرصت الشَّريعة على ترسيخ ثقافة الأمن الفكريّ، من خلال مقاصد ساميةٍ، وقواعد راسخةٍ، تؤصل هذه الثَّقافة، وتنشر مبادئ التَّسامح على المستوى المجتمعيّ والفرديّ. ومن هذا المنطلق أكدت الشريعة على دور الأسرة، فالأسرة نواة المجتمع، وأيُّ إهمالٍ أو تقصيرٍ من الأسرة تُجاه أفرادها قد يكون سبباً وعاملاً من عوامل الانحراف الفكريّ، فدور الوالدين من الأدوار المهمة، فَهُم الَّذين يزودون المجتمع بأفرادٍ واعيين وغيورين على أمن واستقرار أوطانهم، يسعون لأن يكونوا شخصياتٍ متسلحةً بالعلم والمعرفة، على أساسٍ فكريّ مبنيّ على الوسطيّة والثّقافة المعتدلة، وعلى التَّسامح والعفو، وعلى ضبط الانفعالات والسلوكيّات.
ومن دور الأسرة أيضاً المتابعة لما قد يطرأ على الأبناء من مظاهر الانحراف الفكريّ، كالاعتداء بالقول على الدولة ورموزها، والتكفير، ومتابعة القنوات المشبوهة، وغير ذلك من مظاهر الانحراف، وعلى الأسرة السَّعي لمعالجتها بالحسنى، والإجابة عن تساؤلاتهم واستفساراتهم، وتثقيفهم بالمعلومات الصّحيحة، وتزويدهم بالمعايير السّليمة في اختيار الصّحبة الصّالحة، فكم للرفقة من أثرٍ كبيرٍ في تنشئة الأبناء فكريّاً.
إنَّ ترسيخ الأمن الفكريّ مسؤوليّة الجميع، وبالجهود المشتركة؛ تُحمى الأفكار، وتُصان العقول من الملوّثات الفكريّة، ويسعد المجتمع بالأمن والاستقرار.