بر الوالدين
إن من الثوابت التي لا تتغير تعلّق فطرة الإنسان بمن أحب، وتنمو هذه المحبة بتعزيز قيمة البر في نفوس الوالدين، والبر من أحب الأعمال إلى الله، وتكتسب أهميته وتظهر ثمرته مع من أمرنا الله بالإحسان إليهم فقال :(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسنا) وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله فقال:(بر الوالدين)، وقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحرص الناس ببر والديهم، فقال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام:(وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً) ويقول عن يحيى عليه الصلاة والسلام:(وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً)، وتظاهرت الآيات على البر والإحسان للوالدين فقال تعالى:( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن..) الآية.
ويدعو الإسلام إلى المحافظة على تماسك المجتمع، وإظهار المودة والمحبة بين أفراده، وتظهر تلك المودة في الأسرة باحترام الوالدين والإحسان إليهم فهم أساس الأسرة والشجرة الوارفة التي يستظل بها الأبناء لاستقاء الرعاية والإهتمام، وينهلون منهما من معين الحكمة والتربية الحسنة، وإطار البر يبدأ أولاً باختيار الألفاظ الكريمة للوالدين كما قال تعالى :(إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً) فنهى ربنا عن كلمة أف وهي صغيرة في مبناها ولكنها عظيمة في معناها، وأمر بالقول الكريم الذي يحوي اللفظ اللطيف الذي يحبه الوالدين، ويكتمل إطار البر بالأفعال الحسنة التي تنبعث من الصدق وتجنب تكدير خاطرهما أو التعنت في تنفيذ أوامرهما، والحذر من الوقوع في العقوق الذي نهى الله عنه.
ويستمر بر الوالدين حتى بعد وفاتهما إذ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به بعد موتهما؟ فقال نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما) والدعاء لهما ترتفع بهم درجات في الجنة، قال أبوهريرة رضي الله عنه (تُرفع للميت بعد موته درجته. فيقول: يارب أي شيء هذه؟ فيقال : ولدُك استغفر لك).
إن الثقافة المجتمعية التي قامت في دولة الإمارات العربية المتحدة بُنيت على احترام الأسرة وتقوية أواصرها، ودأبت قيادتها الحكيمة على تعزيز قيمة المحبة والود بين الأفراد والمؤسسات، لقد كان لوالدنا المغفور له الشيخ زايد – طيب الله ثراه – العناية التامة للأسرة ،فأرسى قواعد الاستقرار لها، ومدّ أواصر الحب بين الأبناء وأبناءهم، ومضى على منواله قائد مرحلة التمكين المغفور له بإذن الله الشيخ خليفة بن زايد – رحمه الله – والتي تشهد له الأرض بمحبة أبناءها وبناتها له بما قام به من دعم ورسم الإستراتيجيات التي تدعم الأسرة، ومن تلك المبادرات التي رسخت هذه المفاهيم توجيه صاحب السمو محمد بن زايد – رئيس الدولة - حفظه الله ببرنامج الدعم الاجتماعي المتكامل والذي يوفّر الحياة الكريمة للأسر الإماراتية، وهي النظرة التي بينت اهتمام قيادتنا الرشيدة بأبناءها وبناتها على حد سواء، وكذلك مبادرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك -أم الإمارات- رئيسة الإتحاد النسائي العام والتي أسمتها" مجلس الأسرة المجتمعي" والذي يهدف إلى رفع الوعي المجتمعي بالتحديات الاجتماعية التي تواجهها الأسرة، وغيرها من المبادرات التي اتخذتها المؤسسات المعنية والبرامج الثقافية والحلقات النقاشية والخطط الإستراتيجية التي تدعمها القيادة في سبيل استقرار الأسرة.