
المقاطع القصيرة على الانترنت: متعة سريعة بتأثيرات عميقة
أصبحت المقاطع القصيرة وذات المحتوى السريع هي الصيغة المفضلة للتفاعل والتسلية لدى الكثير من الناس، حيث تعد هروباً سريعاً من الواقع إلى العالم الافتراضي، وعلى الرغم من جاذبيتها الكبيرة فإن لهذه المقاطع تأثيرات سلوكية ونفسية عميقة تحمل في طياتها الكثير من السلبيات لعل أهمها الإدمان الرقمي.
فالتعلق المفرط لهذه المقاطع بسبب مدتها القصيرة يجعلها جذابة، فالطبيعة البشرية تفضل الترفيه السريع الذي بدورة يؤدي إلى افراز الدوبامين المسؤول عن الشعور بالسعادة، بالإضافة إلى ذلك فإن الخوارزميات تكون مصممة لتقديم محتوى يتناسب مع اهتمامات المستخدمين مما يولد التكرار المستمر للمقاطع المطلوبة.
في الوقت الحالي إن أكثر الفيديوهات المتاحة قصيرة وتتراوح مدتها بين 15 إلى 30 ثانية، فتولد بذلك الانطباع أن مشاهدة فيديو واحد لن يستغرق وقتاً طويلاً، ولكن الفيديو الواحد يجر وراءه الكثير، ولا يمكن إنكار أن المقاطع القصيرة والسريعة تساهم في إهدار الكثير من الوقت فتصميمها السريع والجذاب قادر على إبقاء المستخدم مستمراً في المشاهدة لمدة أطول دون الشعور بالملل مما قد يؤدي إلى انخفاض إنتاجية الأفراد.
أضف إلى ذلك فإن بعض هذه المقاطع قد تشجع على نشر وترويج سلوكيات سلبية تتمثل بالتنمر أو العنف بما تحمله من محتوى سلبي، فطبيعتها السريعة والمكثفة تجعلها أداة فعالة لنقل وتغذية السلوكيات السلبية، خاصة وأن هذه المقاطع غالباً ما تكون منفصلة وتخرج عن سياقها الحقيقي، فالجمهور لا يرى الخلفية الكاملة للأحداث ولا يرى عواقب الأفعال التي يروج لها صناع هذا النوع من المحتوى، مما يؤدي إلى ترسيخ فكرة أن العنف أو التنمر هي وسائل فعالة لتحقيق التفاعل المطلوب، رغم ما تحمله من ألم واحراج وسخرية لضحايا هذه المقاطع ويعزز ثقافة الإهانة والسخرية.
كما أنها قد تعرض أفكار وسلوكيات تتعارض مع القيم الاجتماعية والثقافية التي تقوم على الاحترام والتعاون والتسامح وتهدد الروابط والتماسك الاجتماعي مما يخلق ارتباكا لدى افراد المجتمع حول ما هو مقبول وما هو مرفوض.
أما على المستوى النفسي فأن المقاطع القصيرة والسريعة قد تؤدي إلى الكثير من المشاكل النفسية لعل أهما القلق والتوتر والاكتئاب حيث إن التعرض المستمر للمحفزات والمؤثرات السلبية يؤدي إلى تراكم المشاعر السلبية وبالتالي صعوبة التعامل معها، مما يؤثر على الحالة المزاجية ويرفع مستويات القلق والتوتر والحزن.
بالإضافة إلى أنها تساهم في تغيير آلية عمل الدماغ البشري، كونها تعتمد على الإثارة بشكل لحظي مما تؤدي إلى تقصير القدرة على التركيز والانتباه والصبر، وبالتالي تؤثر على القدرة في تأدية المهام التي تتطلب وقتاً أطول وتفكيراً عميقاً وهو ما يمكن أن يؤثر على الأداء الأكاديمي والمهني.
هذه المقاطع أيضا قد تعزز الشعور بالمقارنة الاجتماعية والبحث عن المثالية مما يولد شعورا بالنقص والاحباط وعدم الرضا عن الذات، كما أنها قد تؤدي إلى العزلة الاجتماعية عند الانغماس في المشاهدة مما يسبب شعورا بالوحدة والاكتئاب.
تعتبر هذه المقاطع سلاح ذو حدين حيث توفر لحظات من التسلية السريعة إلا أنها تؤثر سلباً على الصحة النفسية، إذا لم يتم التعامل معها بوعي، فمن الضروري أن نكون مدركين بشكل جدي لهذه التأثيرات، وأن نعمل على تحقيق وخلق توازن صحي بين العالم الرقمي والواقعي لتقليل تأثيرها السلبي فالتوازن بين الترفيه الرقمي والأنشطة الواقعية هو الحل المناسب للحفاظ على صحتنا النفسية واستقرار سلوكنا.
كما أن تنظيم عملية المشاهدة وانتقاء المحتوى بعناية قد يساهم بشكل كبير في تقليل التأثيرات السلبية على الصحة النفسية والحياة اليومية، ويبقى ذلك مرتبط بشكل كبير على قدرة الافراد في ضبط ومراقبة عملية مشاهدتهم لهذه المقاطع وانتقاء أفضلها لتحقيق أفضل استفادة منها دون المساس بصحتهم النفسية أو استقرارهم الفكري والسلوكي.